الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

المسيري وشاهين ودرويش. الذكرى الثالثة للفرسان الثلاثة



قبل أيام قليلة مرت بنا الذكرى الثالثة لوفاة المفكر المصري المبدع عبد الوهاب المسيري "3 يوليو" وبعدها مرت بنا الذكرى الثالثة لوفاة المخرج المصري المبدع يوسف شاهين "28 يوليو" واليوم تمر بنا الذكرى الثالثة أيضا لوفاة الشاعر الفلسطيني المبدع محمود درويش "9 أغسطس" ما كل هذا الشجن؟.
تذكرت الرجال الثلاثة الذين أحببتهم اليوم ولاشك أن كلا منهم شكل جزءا من وعيي ومعارفي ولاشك أنهم فرسان أبدعو وعانو وتحملو في سبيل مبادءهم وبلادهم الكثير من المنع والإعتقال والتشويه والتعتيم.
معرفتي بالفرسان الثلاثة كانت سطحية على المستوى الشخصي، لكنها كانت وطيدة على المستوى المعرفي واحترامي لهم لازال يتزايد بعد مرور 3 سنوات على رحيلهموأظنه سيزيد بمرور السنين.
بالأمس فقط كنت أتذكر مشاركة الدكتور المسيري في مظاهرات "كفاية" قبل أعوام، وخاصة عندما تعرض للإعتداء من عساكر الأمن المركزي التابعين لحبيب العادلي باعتباره المنسق العام لحركة "كفاية" وتحمل صابرا.
تذكرت غضبي وقتها من هؤلاء العساكر المصريين الجهلاء الذين يعتدون على قامة فكرية عظيمة لا يعرفونها لأن نظام التعليم الحكومي في بلادنا حرمهم من الحق في التعليم بالأساس فانضموا إلى طابور الأمية الطويل أو تجاهل القامات فلم يعرفها حتى من تعلموا، لم يعرف أحدهم وقتها أن من يضربونه ليس مجرد معارض لمبارك وعصابته وإنما أحد أبرز القامات الفكرية المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين.
كدت أبكي لأن المسيري رحل قبل أن يشهد قيام الثورة في مصر على مبارك والعصابة ثم استعدت وعيي لأذكر نفسي بأن الفارس النبيل لم يكن ليتحمل كل هذا السخف السياسي والمجتمعي الذي نعيشه بعد الثورة وربما كان أحد ضحاياها وعندها لربما هاجمت الثورة، فترحمت عليه ودعوت الله أن يسكنه فسيح جناته.
الأمر بالنسبة ليوسف شاهين مختلف بعض الشيء فقد قابلته مرة وذاكرته جيدا وكتبت عنه مرات كثيرة، وكان احتفالنا بذكراه هذا العام في مركز الهناجر بدار الأوبرا مهيبا حتى أني خرجت على وشك البكاء ليس لأن الإحتفال كان حزينا ولكن لأن أصحابه اختاروا أن يعرضو أحد أفلامي المحببة "عودة الابن الضال".
أثار الفيلم بداخلي شجونا كثيرة واكتشفت خلال العرض الكثير من الرموز التي يمكن أن تنطبق على الوضع المصري الحالي بشكل يبدو أنيا رغم مرور سنوات طويلة على انتاج التحفة الفنية التي صاغها شاهين مع مبدع أخر هو صلاح جاهين والتي ضموا إليها عشرات النبوءات بما يمكن أن يجري في مصر وختموها بالأمل في المستقبل الذي لا نملك الأن إلا أن ندعو الله أن نصل إليه سالمين بعكس النهاية الدموية للفيلم.
كنت أتمنى أيضا أن يكون شاهين حيا معنا في أيام الثورة وأن أشاهده في التحرير يهتف بسقوط النظام، لكني تراجعت مجددا وترحمت عليه، فلربما كان من الرافضين للثورة أو هاجمها في بدايتها قبل أن يتحول ليناصرها بشكل ما مثلما فعل معظم فنانو مصر، وهذا أمر لم أكن أتحمله من أحد فرساني الرئيسيين.
أما درويش فإن ذكراه الثالثة تزامنت مع غضب واسع يعتصرني بسبب مسخ مشوه يسمونه مسلسل عن سيرته بعنوان "في حضرة الغياب" يعرض منذ اليوم الأول لشهر رمضان على قنوات عدة.
رحم الله درويش ورحمنا من هذا السخف التجاري الذي يدفع البعض إلى التربح عن طريق الإساءة إلى الفرسان النبلاء بأعمال أقل ما توصف به أنها فاشلة.
وإن كنت شاركت في الحملة ضد المسلسل مثلي مثل كثيرين يهمهم أمر مبدع عظيم خالد في وجدان الشعر العربي إلا أن غليلي لن يشفيه إلا إعتذار هؤلاء المسوخ على هذا المسخ أو محاكمتهم.
كنت متحمسا قبل العرض للعمل بعكس أصدقاء كثيرين هاجموه قبل أن يظهر للنور، لم أكن أتخيل أن الكاتب حسن يوسف والمخرج نجدة أنزور والموسيقار مارسيل خليفة يمكن أن يقدموا لنا عملا بتلك الركاكة وكأنه جنين مشوه لا يليق أبدا بشاعر العرب الراحل، لكن الحلقات الأولى وقعت علي كالصدمة فبدأت أزمجر هجوما وتنديدا وتحفيزا للكل لمنع هذه الكارثة.
رحم الله الفرسان الثلاثة الذين تحملوا من أجل بلادهم الكثير ولثلاثتهم أختم بقول درويش "نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا. ونرقص بين شهيدين. نرفع مأذنة للبنفسج بينهما أو نخيلا. ونزرع حيث أقمنا نباتًا سريع النمو ونحصد حيث أقمنا قتيلا. وننفخ في الناي لون البعيد البعيد. ونرسم فوق تراب الممر صهيلا. نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا".

الصورة من: صوت الليبرالية





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق