الأحد، 11 مارس 2012

مواطن كوني في أزمة



أعتبر نفسي مواطنا كونيا، وبالتالي يهمني أن أعرف كل ما يجري من حولي حتى لو كان في قارة بعيدة أو دولة صغيرة لا تربطني بها أية علاقة مباشرة لأني تعلمت من سنوات عمري المحدودة أني كمواطن أتأثر بكل الأشياء في الكون لأنه جميعه تربطه حدود مجرة واحدة يتحكم فيها الله بقدرته.
عندما انفجر بركان أيسلندا منتصف الشهر الماضي توقفت الحياة في محيطه ثم في البلد بالكامل قبل أن تتحول الأزمة إلى "وقف حال" في أوروبا ثم أزمة عالمية خسر العالم بسببها عشرات المليارات من اليوروهات وتأثر فيها مصريون وعرب كثيرون علقوا في أوروبا لا يستطيعون العودة لبلادهم وأخرين كانت لديهم أعمال لكنهم لم يتمكنو من السفر لإتمامها.
هكذا حال المواطن الكوني، يتأثر بكل ما يجري من حوله، فما بالكم بمدى تأثر هذا المواطن الذي يقيم في مصر بحدث جرى على الحدود بين مصر وقطاع غزة قتل فيه مواطن مصري واقتحم فيه غزاويين الحدود المصرية تحت ستار أن مصر تساعد اسرائيل في حصارهم وتطويقهم وتجويعهم ليبدأ تبادل الكراهية بين مصر وغزة ويبدأ مواطنون في مصر الغضب على فلسطين وتظهر مطالبات بالتخلي عن القضية الفلسطينية تماما وذلك في رأيي لأن الأزمات لا يتم التعامل معها جيدا.
وفي أم درمان بالسودان عشت مثل غيري حدثا له علاقة بمواطنين مصريين وجزائريين ليتحول إلى أزمة سياسية ثم "خناقة" شعبية زادها إعلام "مضلل" في الجانبين اشتعالا ليستمر الصراع والسباب والشتائم حتى الأن، وبعدها خسرت كمواطن كوني أصدقاء جزائريين لمجرد أني أعيش في مصر وأحبها بينما هم يكرهون عددا من المقيمين في مصر وذلك في رأيي لأن الأزمات لا يتم التعامل معها جيدا.
وبعدها عاش مصريون صدمة شعبية ضد الكويت التي رحلت فجأة عددا من المصريين لأنهم فقط يدعون لدعم الدكتور محمد البرادعي كمرشح للرئاسة في مصر، الحكومة الكويتية تفهم أنها دولة كونية في عالم واحد وأن الحالة السياسية في مصر تؤثر في الكويت وفي المقابل ما يحدث في الكويت يؤثر في مصر، ومجددا في رأيي الأزمات لا يتم التعامل معها جيدا.  
ولا أنسى خلافا قائما منذ سنوات طوال بين العراق والكويت وأزمة سياسية بين ليبيا والسعودية ومؤشرات قد تؤدي في أي لحظة إلى حرب أهلية في السودان والمغرب، وحالة من الغضب تجاه إيران واتهامات لحزب الله بالموالاة لإيران.
اليوم نعيش حالة من الغضب بين مصريين ولبنانيين بسبب حادثين بشعين وقعا في بلدة صغيرة "سنية" في الجنوب اللبناني على يد مواطن كوني لأم لبنانية الإقامة وأب مصري الإقامة، والحمد لله أن القرية "سنية" وإلا عدنا لدائة الغضب تجاه حزب الله والشيعة.
ارتكب الشاب أربعة جرائم قتل وجريمة اغتصاب لقاصر في قرية "كترمايا"، وارتكب أهالي القرية جريمة قتل وسحل للشاب شاهدها العالم كله على الهواء مباشرة وتناقلتها وسائل الإعلام كل بطريقته سواء بأسلوب مهني أو متحامل وأحيانا مضلل، حتى كنا على وشك أزمة مماثلة لما حدث مع الجزائر لولا أن الإعلام المصري تعلم الدرس بعض الشيء أو كان منشغلا بتظاهرات واضرابات واحتجاجات داخلية، لكن أيضا وذلك في رأيي لأن الأزمات لا يتم التعامل معها جيدا.
كمواطن كوني تأثرت بهذا كله بنفس طريقة تأثري بواقعة حدثت في محافظة الفيوم عندما قطع المئات من المواطنين بقرية صغيرة طريق القاهرة الفيوم وقامو بتحطيم عربات الإطفاء والأمن وأحرقو سيارة ضابط شرطة بعد وفاة مزارع صدمته سيارة مسرعة على طريق يعرف بـ"طريق الموت".
الحادثتان الأخيرتان يربط بينهما حالة من الإحتقان الشعبي أدت إلى حالة من الإنفلات ولهما بالطبع علاقة مباشرة بسياسات قائمة، بينما الأحداث السابقة لها علاقة بسياسات مغلوطة أو مبهمة أو غير مبررة تسببت في انفلات إعلامي واسع النطاق لم يقابله "نقطة نظام" سياسية وبالتالي تحول إلى انفلات شعبي مجددا، والسبب كالعادة وذلك في رأيي كمواطن كوني أن الأزمات لا يتم التعامل معها جيدا. 
مؤخراً، تحولت وقفة سلمية دعا إليها نواب برلمان مصريون في ميدان التحرير إلى صدام بين شباب غاضب وقوات الأمن وهي صدامات معتادة في مصر طيلة السنوات الأخيرة لكني كمواطن كوني وللمرة الثانية ألحظ أن الصدام بات متبادلا، فلم يعد الناشطون أو المتظاهرون يقفون مكتوفي الأيدي يتلقون الضربات من الأمن وإنما باتو في ظاهرة جديدة يبادلونهم الضرب ضربا.
بات الوضع كونيا ولم يعد محليا لأنه كان خبرا مميزا في كل وكالات الأنباء العالمية ونقلته على الهواء أو مسجلا كل التليفزيونات العالمية بما يجعل من هؤلاء الشباب ومعهم رجال الأمن كمواطنين كونيين جميعا محط أنظار العالم، فكيف يتم التعامل مع الأمر باعتباره أزمة داخلية وكيف لا يتم التعامل معها جيدا. 
الصدامات ودعاوى انعدام الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وطلبات إلغاء قانون الطوارئ واعتقال المواطنين الكونيين في مصر دون سند قانوني وغيرها الكثير كلها أزمات كونية تؤثر في مستقبل مصر لأنها تصل إلى أنحاء العالم في لحظات وتُكون الصورة الذهنية عن هذا البلد وتؤثر في نظرة المستثمرين والمانحين له، بينما يصر البعض في مصر على التعامل معها باعتبارها مجرد أزمات داخلية.
كل ما سبق بالطبع رأيي الشخصي كمواطن كوني يرى أن الأزمات لا يتم التعامل معها جيدا وربما يستمر الوضع كما هو ولا يقتنع كثيرون أنهم مواطنون كونيون يتأثرون ويؤثرون في كل ما حولهم ويتعاملون مع الحياة من أبراجهم العاجية العالية المعزولة.


نشر في موقع الأزمة

 الخميس, 06 مايو 2010 




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق