الأربعاء، 5 مارس 2014

أكاديميون مصريون: الاختراعات المزعومة تشوه الصورة الذهنية للجيش

مخترع جهاز "الكفتة"
سلامة عبد الحميد

يؤكد لواء سابق في الجيش المصري عبر قناة "التحرير" المصرية أن "السلطان العثماني عبد الحميد تنازل عن ثلث أراضي إثيوبيا لمصر، يعني بتاعتنا. وكمان تلت أوغندا بتاعتنا، فاحنا مستعدين نروح نرفع قضية وناخد تلت مساحة إثيوبيا".
وعندما ترد المذيعة "مها بهنسي" قائلة: "المعلومة دي محدش قالها قبل كدا؟!". يرد لواء الجيش السابق "المعلومة موجودة وأدينا بنقول أهو. ولو الأزمة ما اتحلتش احنا مش هنموت على أرضا وإنما هنموت عند السد بتاعهم" فيما يبدو تهديدا صريحا بإمكانية القيام بعمل عسكري.
وقبل أيام قال ضابط كبير سابق في الجيش المصري للإعلامي أسامة كمال في برنامج على قناة "القاهرة والناس" في إطار تبريرات منتشرة حاليا لما يقال إنه اختراع عسكري يشفي من الإيدز وفيروس "سي"، إن لدى الجيش وعلماءه الكثير من المخترعات الهامة وأنه يتم الإعلان عنها تباعا، كاشفا النقاب عن واحد من هذه الاختراع التي وصفها بأنها "مادة ترش أمام السيارات على الطريق فتجعل الطريق ممهدا للسير"، وبينما لم يقتنع المذيع ورد ساخرا "أريد منها في الشارع الذي يقع به منزلي لأنه مليء بالحفر"، جاء الرد أكثر بلاهة حيث قال الضابط "المشكلة أن تأثيرها يزول فور امتصاص الأرض لها".
ليست تلك فقط الوقائع الموثقة التي يصدر فيها عن عسكري سابق تصريحات من هذا النوع الذي يعتبره المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي ضربا من "الخزعبلات"، ويطلقون بسببه الكثير من النكات والقفشات أو ما يطلقون عليه "القلش".
ولازال عالقا في الأذهان بقوة ما قاله لواء "شرفي" في الجيش المصري مؤخرا عن علاج جديد لمرض نقص المناعة المكتسبة "إيدز" والذي تم الكشف عنه في مؤتمر صحفي حضره الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء المستقيل ووزير الدفاع وعرضه التليفزيون المصري، والذي أثار عاصفة من السخرية حول العالم من تلك الخزعبلات التي تنسب لأفراد منسوبين للجيش المصري يعالجون الإيدز باستخدام "الكفتة".
وحلل الدكتور محمود حسين الحاصل على درجة الدكتوراة في علم الفيروسات من جامعة كمبريدج والباحث في جامعة "إم أي تي"، المصنفة الأولى على الجامعات البحثية في العالم، الاختراع الخاص بشفاء الإيدز وفيروس "سي" علميا في محاضرة طويلة بالعربية عرضها على موقع "يوتيوب"، واستغرق الباحث المصري أكثر من نصف زمن المحاضرة في محاولة لتبرير قيامه بذلك فيما يبدو واضحا أنه مساعي مستمرة منه لتبرير انتقاده للاختراع المزعوم خوفا من القمع الأمني أو التنكيل به وبأسرته.
وتنظر الغالبية العظمى من المصريين للجيش المصري باعتباره المؤسسة الأكثر نظاما وكفاءة في ظل ترهل كبير وفساد يشمل كافة المؤسسات النظامية في مصر طوال عقود مضت، لكن السنوات الأخيرة وتصدي جنرالات الجيش لحكم البلاد وتدخل عناصره في قمع المواطنين أحدث ما يشبه الشرخ الذي يخشى كثيرون عدم القدرة على علاجه في القريب العاجل.
ويتردد كثيرا في أوساط ضيقة وجود فساد في المؤسسة العسكرية المصرية منذ سنوات طوال، ربما ترجع إلى حكم الضباط بعد الإطاحة بالدولة الملكية وتحول مصر إلى جمهورية على يد ضباط صغار في الجيش تحولوا في غضون سنوات قليلة إلى قادة ومتنفذين، وبات لدى كثير منهم ثروات وقصور لم يكن بالإمكان أن يحصلوا عليها لو أنهم لم ينقلبوا على الملك.
وقال الدكتور عادل سليمان، مدير منتدى الحوار الاستراتيجي واللواء السابق في الجيش المصري، لـ"العربي الجديد" إن الأمر بدأ مبكرا ولازال مستمرا بالفعل، مشيرا إلى أن "تشويه الصورة الذهنية للقوات المسلحة أحد الأهداف الرئيسية في هذه المرحلة وبدأت بدخوله في المعترك السياسي وكان استغلال الأخطاء أحد أهم الوسائل لذلك".
ويرى الكاتب الدكتور محمد الجوادي أن ما يجري منذ ثورة يناير أضر كثيرا بهيبة الجيش في نفوس المصريين وتحول في فترات كثيرة، منها ما نحن فيه الأن، إلى "إساءة للصورة الذهنية للمؤسسة العسكرية المصرية لدى العامة وأمام الرأي العام في الخارج" على حد قوله لـ"العربي الجديد".
في ذكرى احتفالات أكتوبر الماضية التقى الإعلامي عمرو أديب باللواء أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني الميداني الذي تحدث عن جهود الجيش في سيناء ونجاحه في القضاء على الإرهاب وتدمير الأنفاق الحدودية قبل أن يقول "30 يونيو ثورة شعبية بدليل أنه لا يوجد في السلطة أي قيادة عسكرية وأن مصر يدير شئونها رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور، وأن السيسي مجرد وزير في الحكومة، فهل زاد مرتب السيسي؟ هل حصل على ترقية؟ هل حصل على رتبة؟" وفي كل الأسئلة كان عمرو أديب يجيب بالنفي.
كان هذا التسجيل الشهير بالطبع بعد أن تحول السيسي من وزير دفاع فقط إلى نائب أول لرئيس الوزراء، وقبل أن يحصل على رتبة المشير، وقبل صدور الدستور الجديد الذي يحصن منصب وزير الدفاع، وقبل تعديل الرئيس المؤقت لقوانين بينها قانون إعلان الحرب وغيرها من القوانين التي تجعل السيسي هو الحاكم الحقيقي للبلاد.
ويقول الدكتور عماد عبد العظيم أستاذ التاريخ في كلية آداب الفيوم إن القوات المسلحة ظلت من بعد حرب أكتوبر 1973 ترسم صورة ذهنية في عقل المواطن المصري عن قدسيتها، وبالغت في ذلك، رغم أن معظم ما يقال غير حقيقي وبعضه ضرب من الخيال، لكنهم نجحوا في الضحك على الشعب بهذه الصورة، ما أدى إلى ما نراه حاليا من حالة العشق والهيام المبالغ فيه لدى قطاع ليس بالقليل من المصريين للجنرال للسيسي".
ويؤكد أستاذ التاريخ لـ"العربي الجديد" أن وسائل الإعلام لعبت دورا مؤثرا وأساسيا في ترسيخ تلك الصورة الذهنية عن الجيش كمؤسسة، حتى جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير لتظهر الكثير من الأمور التي كان يتم التعمية عليها أو تجاهلها عن المؤسسة التي شاخت قياداتها ولازال الكثير منهم يعيش بعقلية السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، رغم التقدم العلمي الحقيقي الظاهر ووسائل الاعلام البديلة القادرة على كشف أي خداع، وبالفعل كل هذا يسئ للمؤسسة العسكرية ويهدد مصداقيتها.
وساهمت تسريبات صوتية منسوبة لوزير الدفاع المصري السيسي على مدار الشهور الثلاثة الماضية في انتشار الكثير من التعليقات الساخرة عن قائد الجيش من عينة "أوميجا" و"سيف أخضر"، بالإضافة إلى الكثير من التناقضات التي ظهرت بين تصريحاته السابقة وما يفعله منذ قيامه بقيادة الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب.
ويخشى الدكتور محمود خفاجي من التأثيرات المباشرة للتصريحات غير المسئولة لأفراد منسوبين للمؤسسة العسكرية والتي باتت حسب قوله "مصدرا للسخرية من الجيش المصري حول العالم، بما يضر بالدولة المصرية كلها".
وقال الأستاذ المصري في معهد "ويست كارنيجي بارك دريف" الأمريكي لـ"العربي الجديد" إن "صورة المؤسسة العسكرية كمؤسسة وطنية تحولت إلى النقيض بدءا من الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب، وأصبحت بعد الإعلان عن تلك "الخزعبلات" تثير السخرية والتهكم من الجميع، خاصة بعد أن أصبحت حملة السخرية عالمية.
ومنذ تولي الجيش الحكم في مصر عقب تنحي الرئيس المخلوع مبارك أدينت عناصره في الكثير من جرائم القتل والتعذيب والتنكيل بمواطنين، حيث قامت عناصر من الجيش بفض اعتصام محدود في ميدان التحرير بعد أيام قليلة من تنحي مبارك بالقوة واحتجزت العشرات من الشباب والفتيات في معسكر أقامته في مدخل المتحف المصري، قبل أن تتورط عناصر عسكرية لاحقا في الكثير من الوقائع الموثقة للتعدي على مواطنين بينها اتهامات بالقتل العمد.
ولا ينسى كثير من المصريين مشهد الجندي الذي يتبول على المتظاهرين أمام مقر مجلس الوزراء نهاية عام 2011 من فوق مقر مجلس الشعب، كما لا ينسى كثيرون دهس مدرعات عسكرية لعدد من المواطنين الأقباط المعتصمين أمام مقر التليفزيون المصري، وغيرها الكثير من الأحداث التي راح ضحيتها عشرات المواطنين.




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق