الاثنين، 19 يناير 2015

فاتن حمامة.. تفسير ذكوري لموهبة طغت على الجميلات







أكره بطبيعتي الألقاب الفنية، لا يغريني أبدا أن أشاهد على "أفيش" فيلم سينمائي أن بطلته "سيدة الشاشة العربية"، لا يحمسني اللقب لمشاهدة الفيلم أبدا إن لم أكن متحمسا بالأساس لمشاهدته.
أدرك جيدا أن اطلاق الألقاب على الفنانين، خاصة في العالم العربي، وفي السينما المصرية تحديدا، ليس إلا وسيلة تجارية يلجأ إليها المنتجون والموزعون لمغازلة عقول دافعي التذاكر، لم أكن يوما من هؤلاء الذين يختارون الأفلام وفق لقب بطله، أو بالأحرى بطلته، لكن كثير من الناس غيري يفعلون.
في مراهقتي كنت مشاهدا جيدا للسينما، لم يكن المتاح كثيرا، كان لدي قناتين تليفزيونيتين فقط هما الأولى والثانية الحكوميتين، ومرات ذهاب قليلة متباعدة إلى السينما، لكن في المقابل كان الوقت وفيرا، فلم أكن مثل أقراني من هواة لعب كرة القدم، وهاتين القناتين وفرتا لي على مدار سنوات مئات الأفلام العربية والأجنبية، ما شكل لدي حصيلة جيدة من المعلومات السينمائية، أظنها لازالت زادي حتى اليوم.
كنت في تلك الفترة لا أفهم سببا للشهرة الواسعة التي حظيت بها، في رأيي، ممثلة محدودة الجمال مثل فاتن حمامة (1931 2015)، كانت شهرة الممثلات بالنسبة لي تعتمد بالأساس على جمالهن وقوامهن وغنجهن، بينما فاتن حمامة بالنسبة لي سيدة مصرية عادية، يمكنك أن تشاهد العشرات مثلها يوميا في الشارع.
كان يشغلني تفوق هذه الممثلة محدودة الجمال على جميلات عصرها، ممن كنا نسميهن "الصواريخ"، وبينهن على سبيل المثال ليلى فوزي ومريم فخر الدين وزبيدة ثروت، أو صاحبات القوام المثير وبينهن على سبيل المثال هند رستم وصباح ونادية لطفي.
كانت سيدة قصيرة نحيفة عادية الجمال، ربما تمتلك وجها صبوحا لطيفا، لكنه لا يقارن أبدا بجمال عدد كبير من نجمات عصرها في خمسينيات القرن الماضي.


لم أكن وقتها أدرك أنها تمتلك تلك الميزة الأهم في عالم التمثيل التي يطلق عليها الموهبة، ولم أكن أفهم أن الجمال وحده لا يصنع ممثلة جيدة وإنما إلى جواره يجب أن يتوفر الذكاء والتركيز، وكذا الظروف المواتية.
توفرت لفاتن حمامة ظروفا أفضل من جميلات عصرها، بزواجها من عز الدين ذو الفقار، ثم عمر الشريف، وبعملها مع أهم مخرجي وأبطال تلك الفترة، تلك الظروف جعلتها الأبرز بين نجمات جيلها، وجعلتها تتربع على قمة الشهرة والنجومية، رغم أن بعضهن حققن نجومية أيضا، لكنها ظلت الأكثر طلبا والأعلى أجرا.
في هذا الوقت كنت أتابع ممثلة أخرى لازلت أعتبرها أحد أهم نجوم التمثيل في العالم، وهي أودري هيبورن (1929 1993)، كانت هيبورن نجمة خمسينيات القرن الماضي في هيوليوود أيضا، نحيفة قصيرة، وأقل جمالا وأنوثة من نجمات جيلها وبينهن على سبيل المثال صوفيا لورين وإليزابيث تيلور وجريس كيلي ورومي شنايدر وبريجيت باردو.
في فترة لاحقة بدأت أقارن بين فاتن حمامة وأودري هيبورن كثيرا، كليهما تمتلك قدرا من الجمال، لكن كليهما في الوقت ذاته تمتلك قدرا أكبر من الموهبة، ما جعل كليهما تحقق نجاحا ساحقا وجوائز هامة، وأفلام خالدة في تاريخ السينما.

أودري هيبورن

ربما باتت الموهبة مفصلية في تعاملي مع أسباب شهرة ونجاح فاتن حمامة وأودري هيبورن، مع زيادة معرفتي بتقنيات السينما، خاصة بعد أن عملت كمحرر فني لسنوات، لكن ظلت الفكرة المجردة لأهمية صورة النجمة تلح علي بين حين وأخر.
التفسير الذكوري لنجاح الممثلة قد يجافيه الصواب إذا ما تم إخضاعه للمنطق، لكنه يظل قائما على مر السنين، فالمنتج السينمائي يختار الممثلة الشابة في الأغلب لجمالها، لاشك أن الموهبة مهمة ولها دور ما ضمن عوامل الإختيار، لكن يبقى الجمال هو الأساس.
معظم نجمات السينما الشهيرات، عربيا وعالميا، كن نساء جميلات، ومعظمهن في الأغلب مثيرات، وجمهور السينما حول العالم أغلبه من الشباب والمراهقين، وهؤلاء تغريهن السيدة الجميلة المتحررة من ملابسها في العادة، أو التي تظهر مفاتنها على الشاشة في كثير من المشاهد، حتى المراهقات والشابات يغريهن البطل الوسيم مفتول العضلات.
في مرحلة من حياتي اخترعت تفسيرا لنجاح الممثلات النحيفات، مفاده أن الرجال يعشقن السيطرة على نسائهن، وأن سيطرة الرجل على السيدة النحيفة أسهل كثيرا من تلك الممتلئة، هو يحملها ببساطة بين يديه دون عناء، كان مشهد حمل البطل للبطلة أحد المشاهد المتكررة دوما في الأفلام، لو كانت البطلة ممتلئة لما تمكن البطل من حملها، ولاختفى هذا المشهد الأثير.
كنت أطبق نظريتي الذكورية المخترعة تلك عادة على ممثلات شهيرات بينهن فاتن حمامة، خاصة وأن أبطال تلك الفترة كانت تميزهم أجسادهم مثل أنور وجدي ورشدي أباظة ويحيى شاهين وعماد حمدي وعمر الشريف وأحمد رمزي.
أتذكر الأن بوفاة فاتن حمامة تلك الجدلية أو النظرية بشيء من السخرية، الحديث عن رحيل فاتن حمامة عن دنيانا يظل أكثر جلالا، يحرص البعض على حشر السياسة في الموضوع، فاتن نفسها حشرت نفسها بلا داع في السياسة في أيامها الأخيرة بتأييدها للإنقلاب.
 لكن يظل الفن أبقى من السياسة، والحديث عن فاتن فنيا أهم بكثير من تناول سيرتها الذاتية، وفتح ملف زواجها من الممثل عمر الشريف، لا يجدي نفعا الأن. بل إن الحديث عن جمالها لابد أن يتوارى كثيرا خلف الحديث عن موهبتها المتدفقة وذكاءها الفني النادر الذي جعلها تحفر اسمها في تاريخ الفن العربي بأفلام لا تنسى. 





* المنشور أعلاه النص الكامل لمقالي عن وفاة فاتن حمامة، والذي نشر في العربي الجديد مختصرا لظروف المساحة


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق