السبت، 13 يونيو 2015

هند نافع تعانق الحرية.. رغم حكم المؤبد







ربما لا يعرف كثيرون اسم الشابة المصرية هند نافع، هي ابنة فلاحين من محافظة القليوبية الملاصقة للعاصمة القاهرة، ومعيدة في جامعة بنها، وهي إحدى فتيات ثورة يناير 2011، وهي نموذج واضح لما تعانيه المصريات عموماً، والريفيات خصوصاً، من قهر واستبداد وظلم.

هند الآن في مدينة نيويورك الأميركية، وتحضر اليوم مهرجان هيومان رايتس ووتش للأفلام الوثائقية الذي يعرض فيلما بعنوان "محاكمات الربيع العربي"، يروي قصتها وقصة عدد من فتيات ربيع العرب.

المفارقة أنّ هند نافع التي وصلت إلى نيويورك حصلت في فبراير/شباط الماضي على حكم بالسجن المؤبد في القضية المعروفة إعلاميا باسم قضية "مجلس الشورى"، وهي القضية التي صدر الحكم فيها على 229 شاباً وشابة مصرية، بتهم منها مقاومة السلطات وإحراق المجمع العلمي المصري والتعدي على ضباط الجيش وغيرها.

حين صدر الحكم بالسجن المؤبد كانت هند في مصر، لكن لحسن حظها صدر الحكم غيابيا، وفي هذا النوع من الأحكام، في العادة، لا تصل المعلومة إلى سلطات المطارات والموانئ سريعا، إلا إن كان هناك توصية بهذا، بعد الحكم سافرت إلى العاصمة اللبنانية بيروت، ومنها سافرت إلى الولايات المتحدة، وما كتبته على "فيسبوك" مساء أمس يشي بأنها لن تعود إلى مصر، طالما ظل هذا النظام العسكري الفاشي جاثما على أنفاس البلاد.



بدأ اسم هند ينتشر في ديسمبر/كانون الأول 2011، عندما انضمت إلى اعتصام سلمي أمام مقر مجلس الوزراء في وسط القاهرة، مطالبه إنهاء حكم الجيش وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة، في اليوم السادس عشر من هذا الشهر اصطدمت قوات الأمن بالمتظاهرين الذين صعّدوا اجتجاجهم، ردا على الاعتداء الدموي على أحد المتظاهرين الذي كان يدعى "عبودي". في ذلك اليوم انتشرت صور ومشاهد فيديو لضباط الجيش وهم يقذفون المتظاهرين بالحجارة وقطع الرخام من أعلى مقر البرلمان المصري، وهو نفس اليوم الذي اشتعلت فيه النيران في المجمع العلمي بوسط القاهرة، وحينها اتهم المتظاهرون بإشعالها، بينما ظلت التهمة لصيقة بمن يحمون المكان من عسكريين.
مساء هذا اليوم، اعتقلت هند نافع من الشارع ضمن عدد كبير من المتظاهرين، تم الاعتداء بقسوة على الفتاة المحجبة، وتمزقت ملابسها، وصعقت بالكهرباء من قبل الجنود.



في اليوم التالي جرت أحداث أكثر قسوة، عرف اليوم التالي بيوم "ست البنات"، وهي فتاة مصرية تمت تعريتها في الشارع أمام مقر الجامعة الأميركية بوسط القاهرة، وأمام عدسات المصورين، على أيدي قوات الجيش، وهي الواقعة التي أحدثت لغطا واسعا، وأثارت الرأي العام المحلي والدولي ضد الحكم العسكري القائم.

يظن كثيرون أن هند نافع هي نفسها "ست البنات"، وهند وإن كانت تستحق اللقب، ومعها ستات بنات كثيرات، إلا أنها ليست الفتاة المعنية، وقت تعرية "ست البنات" كانت هند معتقلة ومضرجة في دمائها، بعد ضربها بالهراوات على رأسها وعلى مناطق متفرقة من جسدها.




المشهد الأشهر للفتاة المصرية الثائرة كان في مستشفى القبة العسكري، بعد الفضيحة المدوية لجنود الجيش في أحداث ما سمي لاحقا "مجلس الوزراء"، وهي الفضيحة التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية، حاول رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي تهدئة الرأي العام، فأمر بنقل مصابي الأحداث من المدنيين إلى المستشفى العسكري لتلقي العلاج، كانت هند نافع بين المصابين.

قرر طنطاوي أن يستغل الأمر إعلامياً، وقام بزيارة المصابين، كان من بين من زارهم هند التي تولت إفساد مخططه بالكامل. فور أن دخل غرفتها بالمستشفى عاجلته: "أنت بتقتل القتيل وتمشي في جنازته..أنت اللي إديت أوامر لجنودك إنهم يقتلونا ويسحلونا ويعذبونا، وجاي تعمل بطل إنك بتعالجنا في مستشفياتكوا وبفلوسكوا. يسقط يسقط حكم العسكر. يسقط يسقط حكم العسكر".

خرج طنطاوي من أمام الفتاة المحاطة بالضمادات مسرعا، لكن المشاهد التي كانت تبث على الهواء سجلت ولم يتمكن من إخفائها، ربما لم تظهر بعد ذلك أبدا، لكن عشرات الآلاف شاهدوها، لكنها بقيت في ذاكرة الآلاف.



لم تنته قصة هند بضربها واعتقالها، وإنما بدأت، فور أن استعادت عافيتها قليلا، عادت الفتاة الريفية إلى منزل أهلها في مدينة بنها، وهناك بدأت قصة أخرى من القمع والظلم، حبسها أهلها في المنزل وعاملوها باعتبارها فتاة مارقة عن العادات والتقاليد، ومنعوا عنها الإنترنت والهاتف والزيارات.

حولت حوائط غرفتها (سجنها) إلى مدونة تكتب عليها آراءها، وبعض الآراء تسربت إلى الخارج، عن طريق عدد محدود من صديقاتها اللاتي سمح لهن بزيارتها لاحقا، في محاولة لإثنائها عن إضراب مفتوح عن الطعام قررت تحدي قرارات الأهل من خلاله.

كتبت هند في أوراق ثبتتها على الحوائط: "لا أشعر بالخزي ولا بالعار، أنا واحدة من الثوار". "هند تريد إنهاء الحصار".



تحررت هند من سطوة أهلها وعادت إلى الشارع والتظاهر لاحقا، لكن البلاد التي خرجت لتحررها لم تحصل على حريتها بعد، وما زال الجنود الذين اعتدوا عليها يطبقون على سدة الحكم في مصر.

في العام 2012 انضمت هند نافع إلى حملة شبابية ثورية شعارها "وطن بدون تعذيب"، كانت تعمل على جمع صور ومعلومات عن كل المتورطين في تعذيب المصريين منذ يناير/كانون الثاني 2011، استعداداً لمقاضاتهم، لكن كل ذلك لم يتحول إلى حقيقة أبدا.

أثناء الانتخابات الرئاسية في مصر، كانت هند ضد مرشحي الفلول، كانت ضد ترشح الجنرال عمر سليمان والجنرال أحمد شفيق، لكنها لم تكن مع فوز الرئيس المعزول محمد مرسي، مثلها مثل معظم شباب الثورة من غير المنتمين إلى التيار الديني، انضمت إلى الحراك ضد مرسي، لكنها لم تنس أبدا ما فعله بها العسكريون، بعد انقلاب الجيش على مرسي وتوليه الحكم مجددا، عادت إلى الشارع مجددا بقوة.

مساء أمس، أعلنت هند على "فيسبوك" أنها وصلت بالفعل إلى نيويورك، المرة الأخيرة التي كتبت فيها على فيسبوك قبل هذا الإعلان كانت في 21 مارس/آذار الماضي، غابت تماما نحو ثلاثة أشهر قبل أن تعلن الهرب من جحيم الحكم العسكري في مصر، ومن حكم بالسجن المؤبد أصدره عليها من اعتدوا عليها، والمفترض منطقيا أن تصدر ضدهم الأحكام، لكن في مصر يعاقب الضحية وينتصر الجاني.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق