الجمعة، 25 ديسمبر 2015

عودة رفيق الميدان









كنا شركاء نفس الأفكار ونفس القناعة، وتشاركنا الاعتصام في الميدان مطالبين بإسقاط النظام والعيش والحرية والكرامة والعدالة. 
تعرّضنا معاً للقمع والضرب والمطاردة، كنا نراهن بحياتنا لتحرير بلدنا وأهلنا من الفساد والاستبداد، لم نكن نخشى وقتها الموت؛ سقط أصدقاء ورفاق لنا إلى جوارنا صرعى برصاصات النظام الغادرة. 
ليلة 11 فبراير/شباط 2011، رقصنا سوياً ابتهاجاً بتنحي رأس النظام، رفعنا أصواتنا بهتافات النصر الحالمة بالمستقبل، شاركنا البهجة ملايين المصريين، ربما كان هذا أول يوم يهتف فيه ملايين المصريين ضد مبارك، بعد سنوات طوال من الخوف والقمع. 
يكذب أو يبالغ من يكرر أن ملايين المصريين ثاروا على مبارك، الواقع أن بضع مئات آلاف المصريين فقط ثاروا، كان هناك ملايين الرافضين لحكمه بالطبع، لكنهم كانوا خائفين يترقبون، هؤلاء هم الذين انهالوا على الميادين فور إعلان تنحيه عن الحكم لصالح جيشه الذي كان معولاً في إجباره على التنحي. 
ظلّت أفكارنا متقاربة، ونقاشنا لا يتوقف بعدما تخيلنا أنه إسقاط النظام، وسريعا؛ ربما بحلول مارس/آذار من نفس العام، جمعنا يقين أن ثورتنا لم تكتمل، وأن جيش مبارك قرر أن يوقف مسارها وينتقم من كل من شارك فيها. 
شاركنا سويا، مجددا، في التظاهرات والفعاليات ضد ما كنا نسميه وقتها "حكم العسكر"، وطالبنا بسقوطه مثلما فعلنا مع مبارك، وعشنا في العام اللاحق انتصارات وهزائم، وأصبح يقيننا أن الجيش لن يترك البلد لنا كمدنيين.


















باتت علاقتنا ملتبسة بوصول الإخوان إلى الحكم، انحاز هو للفريق الكاره لهم، رغم أنه انتخب محمد مرسي رفضاً لأحمد شفيق، بينما قاطعت أنا الجولة الثانية من الانتخابات اعتقاداً أنه سيتم تزويرها. 

لم يكد يمر على مرسي في الحكم شهر حتى بدأ يعلن رفضه لحكمه ويطالب بسقوطه، متأثراً بدعوات كان واضحا أنها مفتعلة وممولة ومقصودة ظهرت في الشارع، بينما كنت رغم بعض انتقادي لمرسي وتصرفاته كحاكم، أدعو إلى منح الديمقراطية الوليدة الفرصة وأحذر من عودة "حكم العسكر". 
نشط هو سريعا في الجبهة الرافضة، بينما ظللت على موقفي؛ أثني على الجيد وأنتقد ما لا يعجبني، لكننا حافظنا على الحياد تجاه بعضنا. 
لاحقاً بدأ الدم يسيل في الشوارع، ووجدته ينسى كل قناعاتنا مطلع عام 2011 حول المجرمين والفاسدين والمتآمرين، ويكرّر تلك النغمات النشاز التي يطلقها هؤلاء الذين كنا ثواراً ضدهم.

لم يعد يعتبر العسكر هم العدو، بات العدو بالنسبة له هو المدني المغلوب مثله، كفر بكل ما كنا نردده من شعارات حول ضرورة تخليص البلاد من هيمنة المؤسسة العسكرية، قرر فجأة وربما دون وعي أن ينحاز إلى الطرف القوي على حساب الطرف الضعيف، رغم أن تجربتنا معا أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن القوي لن يتوقف قمعه على فئة أو تيار.

واجهته بكل قناعاتي، وذكرته أنها كانت قناعاته في يوم ما قريب، لكنه كان قد تجاوز حد التفكير وسيطرت عليه الكراهية، وأعماه إعلام الثورة المضادة عن التدبر في ما هو مقدم عليه.
سقط بلدنا في المستنقع العسكري مجدداً، واستغرق صديقي المحكوم بنظرية المؤامرة وفكر الكراهية والتضليل الإعلامي الواسع؛ شهوراً حتى أدرك ما شارك وغيره في إيصال البلاد إليه، بدأ ينتقد شيئا فشيئا، ثم بدأ يعلن أن هذا النظام الذي ساعد على الإتيان به خان كل ما كان متفقا عليه، ثم تحولت صدمته إلى يقين بانقلاب النظام على من شاركوه الانقلاب على النظام المدني المنتخب، وفشله في توفير أبسط حقوق الناس من أمن وطعام.

في النهاية استفاق صديقي، وإن كان لم يعترف حتى الآن بالخطأ الذي وقع فيه، وإن ظل حتى الآن يتهم آخرين بالمسؤولية عما فعله مع آخرين، لكنه بدأ أخيرا يطالب برحيل الجنرال.









يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق