الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

حكايات رابعة.. هكذا عاقب السيسي داعمي المجزرة



ناصر أمين في أحداث الاتحادية
عن العربي الجديد

كانت المجزرة دائرة في رابعة العدوية وميدان نهضة مصر في العاصمة المصرية القاهرة، بينما الناشط اليساري المعروف يتحدث على "تويتر" عن "اشتباكات متكافئة"، والحقوقية الشهيرة تروي لمتابعيها على "فيسبوك" عن استمتاعها بـ"اللعب مع الدولفين"، والأذرع الإعلامية في جلسة مع قيادات عسكرية وأمنية لشرح المطلوب منهم للترويج للرواية الأمنية حول المذبحة، بينما قيادات الاعتصام في واد آخر ساهم في زيادة هول المقتلة.
في الأيام الأخيرة لحكم الرئيس المعزول محمد مرسي، ظهر الحقوقي ناصر أمين في صورة نشرها على حسابه في "فيسبوك" معتليا أحد أسوار القصر الرئاسي خلال مشاركته في التظاهرات ضد مرسي، والتي عرفت إعلاميا باسم "أحداث الاتحادية"، لاحقا قال أمين إنه لم يكن معتليا سور القصر، وإنما أحد الحواجز الأمنية المجاورة للسور.
عقب فض اعتصام رابعة العدوية، كان ناصر أمين، رئيسا للجنة الشكاوى في المجلس الحكومي لحقوق الإنسان، وتم اختياره رئيسا لما سمي وقتها بـ"لجنة تقصي الحقائق"" لتحديد المسؤوليات في سقوط عدد كبير من القتلى في فض الاعتصام، رغم أنه كان مؤيدا للفض ومعاديا علنا للاعتصام والمعتصمين.
في الخامس من مارس/آذار 2014، أعلن ناصر أمين التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق، والذي جاء فيه أن فض الاعتصام كان محتما لأسباب منها أن المعتصمين كانوا يحملون السلاح، وأنهم يستخدمون الأطفال في الصراعات السياسية وأنهم قاموا بعمليات احتجاز قسري واعتقال غير قانوني، محملا المعتصمين كل الأخطاء، دون أي إشارة إلى أنهم اعتصموا رفضا لانقلاب عسكري على السلطة والثورة.
وقال أمين عن التقرير إن قوات الشرطة ارتكبت ثلاثة أخطاء ثلاثة أخطاء، هم المصارعة بالهجوم حيث لم تنتظر سوى 15 دقيقة على بدء الضرب، وفشلت في تأمين الممر الآمن المعد لخروج المعتصمين السلميين، ولم تراع الفروق التناسبية بينها وبين المعتصمين من حيث التسليح وكثافة إطلاق النيران.
وتعرض التقرير ومن أعدوه، لهجوم واسع اتهمهم بمحاباة الجهاز الأمني والانحياز للرواية الحكومية، وانتهى إلى 7 توصيات غير ملزمة، بينها ضرورة إخضاع أفراد الشرطة للتدريب والتأهيل، وحث الحكومة على الاسراع بتطبيق كل الاتفاقيات الدولية المناهضة للتعذيب وكافة أشكال المعاملة اللإنسانية والمهينة، ودعوة الحكومة إلى ضرورة تعويض الضحايا غير المتورطين في العنف الذين سقطوا في الاشتباكات المسلحة، ومناشدة الحكومة التدخل الفوري لوقف حملات التحريض على العنف التي تروج لها بعض وسائل الإعلام المحلية.
بعد نحو عام ونصف من صدور التقرير، زارت لجنة من المجلس الحكومي لحقوق الإنسان عددا من السجون سيئة السمعة في مصر والتي تتداول منظمات محلية ودولية وقائع تعذيب وقتل وتنكيل فيها، وخرجت بتقرير يؤكد أنها أقرب إلى "فنادق الخمس نجوم".
في 14 يوليو/تموز الماضي، قال ناصر أمين إنه تم منعه من السفر أثناء توجهه إلى بيروت للمشاركة في أعمال مؤتمر قانوني، وقالت سلطات مطار القاهرة في بيان، إن قرار المنع جاء تنفيذا لقرار من النائب العام لاتهام أمين في قضية "التمويل الأجنبي للمنظمات"، وهي نفس القضية التي منعت السلطات بسببها زوجته هدى عبد الوهاب من السفر إلى موسكو في العشرين من يونيو/حزيران الماضي.

أحمد دومة
يوم 14 أغسطس/آب 2013، تم الدفع بالناشط أحمد دومة إلى شاشة التليفزيون كمقدم برامج، كان واضحا أنه يتم تجهيزه منذ فترة ليلحق برفاق سبقوه أمثال خالد تليمة وإسراء عبد الفتاح، وهي خطة استخدمتها الثورة المضادة مبكرا لاحتواء النشطاء، ونجحت مع كثيرين.
لكن الليلة الأولى لدومة كمقدم برامج لم تكن عادية، حيث بدأ يوم عمله الأول بمجزرة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، تمثلت في فض اعتصامي رابعة والنهضة، المعارضين للانقلاب العسكري واللذان يطالب عشرات آلاف المعتصمين فيهما باستعادة المسار الديمقراطي وعودة الجيش إلى الثكنات.
فرغ أحمد دومة في الحلقة كل طاقة الغضب تجاه الإخوان المسلمين، وكل طاقة الكراهية تجاه الرافضين لانقلاب الثالث من يوليو/تموز من نفس العام، وكرر كل المحفوظات الرائجة عن ما يسمونه ثورة الثلاثين من يونيو.
في الثالث من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، ألقت الشرطة المصرية القبض على أحمد دومة، من منزله في القاهرة، واقتادته إلى أحد مقار الشرطة، تنفيذا لقرار للنيابة العامة بضبطه وإحضاره، ليظل محتجزا حتى الرابع من فبراير/شباط 2015، حيث عاقبته محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطره، بالسجن المؤبد والغرامة 17 مليون جنيه، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"أحداث مجلس الوزراء" والتي جرت في إبان تولي المجلس العسكري حكم البلاد عقب تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك.
واتهم دومة وآخرين في القضية، بالتجمهر وحيازة أسلحة بيضاء ومولوتوف والتعدي على أفراد من الجيش والشرطة، وحرق المجمع العلمي، والاعتداء على مبان حكومية منها مقر مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى، والشروع في اقتحام مقر وزارة الداخلية تمهيدًا لإحراقه.


جمال عيد
في حلقة مقدم البرامج أحمد دومة، حضر أيضا الحقوقي جمال عيد، في مداخلة تليفونية، وكرر النغمة الرائجة إعلاميا في تلك الفترة، وكأنه أحد أذرع النظام الإعلامية، قائلا إن "قيادات جماعة الإخوان هي المسؤول الأول عما جرى لأنهم يرمون الشباب إلى مصرعهم عشان كرسي السلطة"، دون أي إشارة إلى جرائم قوات الأمن، كما قال إن "مرسي خان كل وعوده، وتواطأ على العدالة، وكرم عنان وطنطاوي المفروض محاكمتهم مثله، وأصبح رئيس الأهل والعشيرة، وعين نفسه أكتر من إله، وكلها مبررات كافية لسقوطه"، وكأنه لا يدري أن طنطاوي لا يزال مكرما في عهد السيسي.
في 2016، وبعد سلسلة طويلة من التضييقات على عمل المنظمات الحقوقية في مصر، عادت قضية "التمويل الأجنبي للمنظمات" التي أثيرت منتصف 2011 إلى الواجهة، وبدأ تحقيق جدي فيها، وكان الحقوقي جمال عيد أحد ضحاياها، حيث تم في الرابع من فبراير/شباط الماضي، منعه من السفر، وصدر لاحقا قرار بالتحفظ على أمواله، بما فيها أموال زوجته وابنته الصغيرة، فيما لازال في انتظار صدور الأحكام في القضية.



مالك عدلي
ظل المحامي مالك عدلي طيلة فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، يحرض على إسقاطه بشتى الطرق، كان عدلي يظن أنه يستكمل المسار الثوري الذي اختطفته جماعة الإخوان التي ينتمي إليها مرسي، بحسب الرواية الرائجة على لسان المجلس العسكري الذي حكم بعد تنحي مبارك، والتي باتت تتكرر على لسان كل معارضي الإخوان.
عند فض رابعة، لم يكن مالك معارضا للفض، ولم يكن يرى أن الاعتصام قانوني، وكان يرى أن المعتصمين مخدوعون أو "مجذوبون ذهنيا" كما قيل وقتها، لكن أحد أبناء عمومته سقط ضحية فض الاعتصام.
تخيل البعض أن يصب الناشط غضبه على قوات الشرطة التي قتلت المعتصمين، خاصة بما لدى النشطاء من تجارب عدة عن طرق قوات الشرطة في التعامل مع معارضيها على مدار نحو ثلاث سنوات تلت ثورة يناير التي قامت ضد الشرطة بالأساس، لكنه اختار الطريق الأسهل بصب اللعنات على الضحية.
يوم 27 أغسطس/آب، وبعد نحو أسبوعين على المجزرة، كان مالك عدلي ضيفا على قناة "إم بي سي مصر"، وقال إن "جميع قادة جماعة الإخوان المسلمين متورطين في الدماء التي سالت في الفترة الأخيرة، وإنه ثبت أن لديها مليشيات مسلحة، وإنه ثبت أنه تم إطلاق النار من بعض مقراتها على بعض المواطنين"، وأضاف "جماعة الإخوان المسلمين ليست دولة داخل الدولة، ولا دولة تواجه الدولة، وإنما جماعة الإخوان المسلمين جريمة ارتكبت داخل الدولة المصرية، ومن حق الدولة التعامل معها كيف ما شاءت".
في الحلقة نفسها استغرب عدلي، كيف أن النظام المصري لم يصدر حتى ساعته، قرار باعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، وقال إن النظام استعاد القدرة على ضبط الأمن في الشارع، وأن التزام المواطنين بقرار حظر التجول هو مؤشر على موافقتهم على السياسات القائمة.


لاحقا، بدأت تراشقات كثيرة بين عدلي وعدد من أفراد النظام، بينهم قيادات في الشرطة، وفي السادس من مايو/آيار الماضي، اعتقلت قوات الأمن المصرية الناشط والحقوقي الشاب تنفيذا لقرار النيابة العامة بضبطه، للتحقيق معه على خلفية التحريض على التظاهر فيما سمي بـ"جمعة الأرض" و"نشر شائعات حول مصرية جزيرتي تيران وصنافير" اللتان أصبحتا سعوديتين بموجب اتفاقية تعيين الحدود بين البلدين.
يمكن اعتبار الأشخاص السابقين نماذج وا        ضحة على ما طاول مؤيدي المذبحة من قمع وتنكيل، لكنهم ليسوا النماذج الوحيدة، فمن النماذج الشهيرة، تحريض موثق للناشط المحبوس علاء عبد الفتاح على فض اعتصام "النهضة"، وتحريض باسم يوسف على فض الاعتصام من عينة مقاله "جماعة شرارة"، وصولا إلى رقصه على دماء الضحايا في برنامجه من خلال أغنية تقول إن "السيسي فشخ الإخوان" موثق، وتحريض علاء الأسواني على فض الاعتصام في تغريداته وتدويناته ومقالاته، وخاصة مقال "اجتمع عاجل في الجبلاية" موثق، وبقاء الدكتور محمد البرادعي في منصبه كنائب للرئيس المؤقت في ظل المجزرة لا يمكنه انكاره، وشغل الدكتور عصام حجي منصب المستشار العلمي للرئيس المؤقت رغم كل المجازر لا يمكن تجاهله.
يمكنك أن تتحدث بنفس القدر من الغضب أو التأفف عن مواقف محمد أبو الغار وجورج اسحق وممدوح حمزة، وغيرهم، وما جرى لهم جميعا من تشويه واتهامات بالعمالة والتخوين معروف للجميع، وربما هو مقدمة لعقوبات أوسع، وربما هي عقوبة السكوت على إراقة الدم المصري.





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق