السبت، 3 سبتمبر 2016

بكيني وبوركيني

الصورة من فرانس برس

عن العربي الجديد

في عام 2012، كانت صديقة سابقة تكرّر في مناسبات متعددة أنها ضد حكم الرئيس، وقتها، محمد مرسي، لأنه سيمنعها من ارتداء لباس البحر ذي القطعتين "بكيني"، وأنه حقها وجزء من حريتها الشخصية التي لن تسمح لأحد بالاقتراب منها أو المساس بها.
كانت تردف كلامها الغاضب المتشنج قائلة بدلال: "أنتم كرجال أكبر الخاسرين من منعي ارتداء البكيني لأنكم ستحرمون من رؤية جسدي الجميل".
كنت عادة أجادلها بأن البكيني ليس من عادات المجتمع المصري، وأن عدد المصريات اللاتي يرتدين البكيني محدود جداً لأسباب عدة بخلاف الأسباب الدينية، بينها ترهل الأجساد والفقر الذي يمنع الغالبية العظمى من متعة الوصول إلى البحر، وكذا خشية التحرّش أو الاغتصاب.
في الوقت ذاته، ظهرت على "فيسبوك" صفحة شعارها "حماية المايوه المصري من الإخوان"، وكان الأمر رائجاً ضمن كثير من الشائعات التي تم ترويجها في تلك الفترة على نطاق واسع كمقدمة للانقلاب على أول رئيس منتخب في التاريخ المصري الحديث.
غادرت الصديقة الحريصة على ارتداء البكيني مصر عقب الانقلاب العسكري للعيش في الولايات المتحدة؛ تذكرتها عند تفجر أزمة حظر ارتداء لباس البحر المحتشم "البوركيني" في فرنسا، حيث اكتشفت أنها إحدى المدافعات عن ضرورة حظره، ليس في فرنسا فقط، وإنما في كل البلدان.
خسرت فرنسا في أزمة البوركيني ورقة التوت التي كانت تتستر بها لادعاء أنها واحة الحريات الشخصية في العالم. ظهر الوجه التمييزي في أوضح صوره، وعلى لسان مسؤولين كبار، ولولا أن غالبية الشعب الفرنسي تصدت بأشكال مختلفة لقرار الحظر، والذي استهدف المسلمات بالأساس؛ مدركاً أنه ربما يكون مقدمة لمزيد من قرارات مشابهة، لتم تمرير القرار، وربما لحقته قرارات أخرى مشابهة.
في الأيام اللاحقة لصدور قرار حظر البوركيني، لاحظت ارتفاع نبرة الغضب عند كثير من المتغربين العرب، وهم قلة عالية الصوت تحتكر منابر الرأي، وقد خالف هؤلاء في تنظيراتهم حول البوركيني، كل ما يدعون إليه من إطلاق الحريات الشخصية، بمزاعم واهية معظمها أمني وبعضها شكلي، تنسجم كثيراً مع وجهات النظر الرسمية في بلدانهم. 
في أعقاب قرار مجلس الدولة الفرنسي بتعليق حظر البوركيني، اختفى بعضهم، واختلفت لهجة البقية، إذ ليس بمقدورهم اتهام مجلس الدولة الفرنسي بالرجعية أو الداعشية، أو غيرها من التهم الرائجة في عالمنا العربي.
فضحت أزمة البوركيني مزاعم دعاة الحريات الشخصية، فالحريات بات يتم تفسيرها وفق الأهواء، وليس وفق الأعراف والقوانين، على الرغم من أن المنطق يؤكد أن ما يصلح في بلد قد لا يصلح في غيره.




يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق