السبت، 12 أغسطس 2017

تفاخر العرب بالتاريخ




يتبارى العرب في التفاخر بتاريخهم، فيحفظ العربي عن بلاده أو قبيلته أو مدينته، أو حتى قريته، قصصاً ليدلل بها على أهميتها بين جيرانها، حتى وإن كانت القصص وهمية، أو تضم مبالغات غير منطقية، وهكذا كثير من تاريخ العرب المحفوظ. 

كثير من الشعر الجيد لشعراء العرب الفحول، قبل الإسلام وبعده، كان يطغى عليه التفاخر القبلي، اعتماداً على أن التبارز بالمفاخر كان مصاحباً للتبارز الحربي المستمر. 

ولا يختلف الواقع العربي حالياً عما كان عليه أيام الجاهلية، فالتبارز بالتاريخ والتفاخر بالوقائع، وإن كانت زائفة، أمر رائج في الثقافة العربية، ويصعب أن يجتمع عدد من العرب من جنسيات مختلفة دون أن تلمح تلك النزعة إلى التقليل من شأن الآخرين أو التسفيه منهم ومن تاريخهم. 

حضرت أخيراً واحدة من تلك السجالات بين صديقين أحدهما مصري والآخر عراقي، وتركزت حول أي البلدين صاحب حضارة أقدم وأكثر تأثيراً في تاريخ البشرية. 

قال الصديق العراقي إن بلاده صاحبة ثمانية آلاف سنة حضارة، فغضب الصديق المصري مؤكداً أنه استولى على مقولة رائجة حول حضارة السبعة آلاف سنة المصرية ونسبها إلى العراق، وقال الصديق المصري إن المصريين القدماء علّموا العالم قبل أن ينتشر العلم، فرد الصديق العراقي غاضباً أن أجداده في بابل هم من اخترع الكتابة، وأن أول من كتب كان النبي إدريس المولود في بابل، قبل أن ينتقل إلى مصر وينشر العلم فيها. 

ثم قال العراقي إن بلاده حكمت العالم القديم لقرون، فرد المصري إن التاريخ يشهد للدولة المصرية القديمة بأنها كانت أقوى إمبراطوريات الأرض بلا منازع. 

كنت أتابع السجال بصمت، ولم أقرر التدخل إلا عندما وصل الصديقان إلى التبارز حول وقائع تتعلق بفترة حكم جمال عبد الناصر في مصر، وصدام حسين في العراق. 

قلت للصديقين إن أجدادنا في البلدين لم يستفيدوا كثيراً من قوة الدولة وقت أن كانت قوية، وإن الحاكم في البلدين على مدار التاريخ كان يحكم الشعب باعتباره إلهاً أو ممثلاً للإله على الأرض، وبالتالي كان أجدادنا لا يملكون إبداء الرأي في أي من شؤون البلاد. 

هدأ السجال قليلاً، فبدأت أذكّر الصديقين بأوضاع مصر والعراق الحالية البائسة، وكذا ما عاشه البلدان طيلة قرون من انحدار على كل المستويات، وفترات احتلال طويلة، مقارنة بفترات الحضارة العظيمة البائدة. 

على مقربة منا، كان شاب خليجي يجادل أحد أقربائه في بلد خليجي آخر عبر الهاتف، وكانت مفاخرات الماضي أيضاً حاضرة في النقاش المحتدم بين الشابين، ما جعل أحدهما يعتبر التفاخر بالماضي الضائع الشيء الوحيد الذي يجمع العرب حالياً.
يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق