الأحد، 17 سبتمبر 2017

وسائل التواصل



 تنوعت وسائل الاتصال خلال السنوات الأخيرة، لكن رغم ذلك تدهور مستوى التواصل بين البشر لينحصر في أشكال منها الكتابة عبر تطبيقات التواصل، أو الاتصالات عبر الهواتف والمواقع الإلكترونية، ما جعل التواصل الفعلي نادراً. باتت إمكانية الاتصال بالأشخاص يسيرة، أيّا كان مكانهم، وفي أغلب الأوقات والظروف، لكن التواصل بات أقل حميمية مما كان عليه سابقاً. قبل نحو خمسة عشر عاماً لم أكن أمتلك هاتفاً محمولاً، إذ لم يكن منتشراً بالقدر الذي بات عليه اليوم. كنا نجري الاتصالات عبر الهاتف الأرضي، ورغم غلاء الخدمة وعدم جودتها في أحيان كثيرة، كنا نتواصل مع الأهل والأصدقاء وأرباب العمل، وحتى مع حبيباتنا. كان التواصل صعباً، لكنه كان قائماً. أذكر سعادتي بالاتصال بصديق أو قريب في بلد آخر، أو سماع صوت أحد أفراد العائلة عن بعد، فالاتصال بين البشر غريزة. في طفولتي كان عدد محدود من معارفي يمتلكون هاتفاً، ولم يعرف منزلنا الهاتف إلا لاحقاً، وقتها كان أفراد عائلتي يتواصلون عبر البريد. كانت مهمة شاقة تستلزم الكتابة والذهاب إلى مكتب البريد ودفع الرسوم، كما أن التواصل البريدي كان بطيئاً، وأحياناً لا تصل الرسائل أبداً. أذكر عندما كان والدي يؤدي فريضة الحج لأول مرة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أن جاء عمي إلى منزلنا بجهاز الكاسيت، وطلب منّا أن نسجّل بصوتنا رسائلنا إلى الوالد، قبل أن يرسل هذا الشريط المسجّل بريدياً. كانت طفرة كبيرة بالنسبة إلينا، فنحن لن نكتب، وإنما سيسمع الوالد صوتنا عبر شريط الكاسيت، وسنقول ما نشاء. رغم كل الصعوبات، كان الناس يتواصلون، وكان للبريد أهمية يومية كبيرة في حياة البشر، وعبره تنتقل الملايين من رسائل التحية والطمأنة والأشواق والغرام، والمعاملات والصراعات. بعض الرسائل البريدية كانت قطعاً أدبية خالصة، وبعضها تحوّل إلى كتب أو أجريت عليها دراسات، وبعضها الآخر دخل التاريخ وبات مكانه المتاحف، أو بيع في مزادات بمبالغ فلكية. قبل ظهور البريد، كان البشر يستعملون وسائل أخرى، بينها الحمام الزاجل، وقبله إرسال الرسائل مع قوافل التجارة، وكلها وسائل للتغلب على مشقة الانتقال من مكان إلى مكان. بمقارنة تلك الأمور التي بات أغلبها من التاريخ، مع الوضع القائم حالياً، فإن وسائل الاتصال باتت في متناول اليد، ولا تحتاج إلى جهد أو وقت، كما لا تكلّف الكثير من المال. لكن تطور وسائل الاتصال لم ينتج عنه تطور عملية التواصل التي ظهرت من أجلها. يمكنك أن تلحظ دون مجهود أن علاقات البشر انحصرت في رسالة يومية مقتضبة عبر تطبيق اتصال.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق