السبت، 7 أكتوبر 2017

أجيال الشك


محمد الشاهد/ فرانس برس



حلت أمس ذكرى آخر حرب بين الجيوش العربية والاحتلال الإسرائيلي عام 1973، والتي كان هدفها تحرير شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية ومناطق عربية أخرى، وكان البعض يعتقد أن بإمكانها إنهاء احتلال فلسطين.

ورغم مرور 44 سنة كاملة على تلك الحرب، إلا أن الكثير من أسرارها لم يظهر بعد، وإن كنا عرفنا خلال تلك السنوات تفاصيل غير كاملة عن بعض ما جرى في المعركة التي استمرت ستة أيام متتالية، والمفاوضات والاتفاقيات التي جرت في السنوات التي تلتها، والتي انتهت بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة عام 1979.

درست قبل أكثر من عشرين سنة موضوعاً عن حرب أكتوبر/ تشرين الأول في كتاب التاريخ. كان أبي واحداً ممن شاركوا في الحرب، لكن الكثير من وقائعها ظلت غامضة. كل ما درسناه ركز على النصر المجيد للجيش، والشجاعة غير المسبوقة للجنود، واستعادة الكرامة والهيبة بعد الهزيمة في حرب 1967، والتي يصطلح على تسميتها بـ"النكسة".

وبقدر المعلومات المحدودة المبهمة في كتاب التاريخ عن الحرب وما جرى فيها، كانت صورة الحرب بالنسبة لجيلي وأجيال لاحقة هي تلك الماثلة في عدد محدود من الأفلام السينمائية التي أنتجت بعد الحرب، وكان شغلها الشاغل تجميل الأحداث أو اللعب على عواطف الشعب الممنوع عليه معرفة الواقع.

بمرور السنوات، تمكنت من قراءة مصادر متعددة ومتباينة حول وقائع الحرب، بعضها مصري، وبعضها أجنبي، ووثائق كان يتم كشفها سنوياً من جانب العدو، أو من جانب الولايات المتحدة التي كانت داعمة للعدو، ثم راعياً لعملية السلام، ولاحقاً أصبحت مقتنعاً بأن جزءاً كبيراً من المعلومات القليلة التي قيلت لنا عن تلك الفترة وما تلاها، كان كاذباً أو مزوراً، أو غير جدير بالثقة.

بعد مرور أكثر من أربعين سنة على آخر حرب عربية إسرائيلية حقيقية، أصبحت قناعتي أن مصر ربحت معركة عبور قناة السويس إلى شبه جزيرة سيناء، لكنها خسرت حرب تحرير سيناء، فباتت مضطرة لتقديم تنازلات مجحفة للعدو لاستعادة الأرض بالسلام المزعوم، وأن سورية خسرت المعركة والحرب معاً، وظلّ الجولان محتلاً حتى اليوم.

تغضب تلك القناعات هؤلاء الذين أسميهم "دولجية"، وهم السائرون في فلك النظام الحاكم أياً كانت أفعاله، هؤلاء يتهموننا بأننا "‫أجيال الشك".

لم نعد ننكر تلك التهمة، لأنها ليست تهمة بالأساس، ‫فالواقع أن العيب ليس فينا كأجيال ولدت بعد الحرب، وإنما في تعمد النظام مزج التاريخ والوقائع بالكذب والتزوير، وهذا لم يعد ينطلي علينا بسبب الروايات المتهافتة المتضاربة، وقدرتنا على الوصول إلى معلومات أكثر منطقية وتحديداً.





يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق