الخميس، 18 يناير 2018

التشدق بقضية فلسطين





 يتشدق العرب، حكاما ومحكومين، منذ عقود، بأن فلسطين قضيتهم الأولى، لكن الأمر لا يتجاوز الحناجر عادة، بينما الواقع أن مساعي التطبيع جارية على قدم وساق.

 يكاد لا يمر يوم دون أن تسمع حاكما من هنا وزعيما سياسيا من هناك يردد المقولات المحفوظة عن القضية العربية والعدو الإسرائيلي، والأقصى الأسير والهيكل المزعوم، وتهويد القدس وجدار الفصل وغيرها، قبل أن يضاف إليها مؤخرا مصطلحات جديدة بعد قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل.
 بعد القرار الأميركي عادت القضية إلى الواجهة بفعل انتفاضة الفلسطينيين الغاضبين، فعقدت عربيا وعالميا، مؤتمرات وندوات، وظهرت تصريحات رسمية وشعبية منددة ورافضة، لكنها جميعا لم تتجاوز التشدق الكلامي إلى رد فعل حقيقي.
بات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ستاراً لإخفاء الجبن العربي. تنتهك المقدسات والحقوق، ويقتل البشر ويعتقلون يومياً في فلسطين ولا يتحرك العرب، يكتفي الحكام بالشجب والتنديد، ويكتفي المحكومون بتكرار أنهم مقهورون لا يملكون وسائل المقاومة.
كثير من المواقف تجاه فلسطين وشعبها بات هدفه الأساسي تحقيق مكاسب سياسية أو انتخابية، أو التعمية على مشكلات اقتصادية واجتماعية محلية، وقد تترجم في بعض الأحيان إلى تبرعات بفتات أموال تنفق ببذخ على اللهو والملذات.
  نحو نصف قرن مرت ولم يطلق العرب رصاصة لتحرير فلسطين، رغم أن بعضهم يتشدق يوميا بالمقاومة، ويستخدم تلك المقاومة المزعومة لتهديد الآخرين، كما يفعل حزب الله في لبنان، وما أكاذيب النظام السوري عن الممانعة المزعومة إلا مثال واضح، وما حرص النظام المصري على السلام الدافئ مع إسرائيل إلا دليل آخر.
أغلب حكام العرب لا تهمه القدس ولا الأقصى بقدر مواصلة سرقة مقدّرات شعب يحكمه بالحديد والنار، وبعضهم يحميه من يحمون بقاء إسرائيل، ما يعني أنه لا يملك قرارا، وإنما تحركه أجندة الحماية الخارجية.
بعض العرب يحرّض العدو على المقاومة الفلسطينية، وبعضهم يتهم المقاومة بالإرهاب تضامناً مع عدوها، وبعضهم يقاطع المقاومة ويعتقل عناصرها تودداً للعدو الذي باتت تربطه بمعظم الأنظمة العربية علاقات وثيقة. سمعنا مراراً أن تحرير فلسطين يمر من دمشق، أو يمر من بغداد أو القاهرة أو الرياض، أو حتى أنقرة أو طهران، لكن يبدو أن تحرير العواصم العربية والإسلامية قد يبدأ من القدس.
  كان انطلاق الربيع العربي إنذاراً لهؤلاء، ولهذا تحالفوا ضده لإجهاضه، لكن الواقع أن النار مشتعلة تحت الرماد، وأن موجة جديدة من الثورات ستتفادى أخطاء الموجة السابقة.



يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق