السبت، 3 مارس 2018

ذكريات القطار والمزلقان



 لم أكن يوماً خلال أكثر من 35 سنة، من هواة التنقل بين المحافظات باستخدام قطارات "سكك حديد مصر". كنت دوماً أفضّل وسائل النقل الأخرى رغم محاولات الأصدقاء والأقارب إقناعي أن القطار أفضل من الحافلات والسيارات، خصوصاً في المسافات البعيدة، مثل السفر إلى الأقصر أو أسوان في أقصى الجنوب، أو مرسى مطروح في أقصى الغرب، حتى أن بعضهم كان يؤكد أفضلية القطار في السفر إلى الإسكندرية التي لا تبعد عن القاهرة بالسيارة أكثر من ساعتين. لكن علاقتي بالقطار كانت وثيقة خلال أكثر من 10 سنوات متواصلة، إذ كان منزلي يبعد عن مسار قطارات "القاهرة- الصعيد" في قلب محافظة الجيزة، نحو كيلو متر واحد، عبر "مزلقان أرض اللواء". المزلقان لمن لا يعرفه هو إشارة مرور خاصة بخطوط السكك الحديدية التي تمر عبر المناطق السكنية، ومزلقان "أرض اللواء" استمد شهرته من كونه يقبع في قلب منطقة سكنية مزدحمة بنحو مليوني شخص يعيشون على جانبيه، وأنه يفصل بين منطقة المهندسين الراقية، ومنطقة أرض اللواء التي كانت قبل أقل من 20 سنة ريفية، ثم تحولت سريعاً إلى منطقة شعبية، وهي حالياً عامرة بالأبراج السكنية الفاخرة. لم أعرف يوماً سبباً لتسمية المزلقان باسم المنطقة الشعبية وليس باسم المنطقة الراقية، رغم أنه يؤدي إلى كليهما، لكني شهدت خلال فترة إقامتي الطويلة نسبياً الكثير من الحوادث التي راح ضحيتها عشرات الأشخاص تحت عجلات القطار خلال عبورهم المزلقان البدائي الذي يتولى إدارته عامل بسيط، ويتكوّم على جانبيه عشرات الباعة الذين يعرضون أنواعاً كثيرة من المستلزمات الحياتية تتباين بين الهواتف والملابس والأحذية والفواكه والخضراوات وغيرها. كنت أعيش رعباً يومياً بسبب المزلقان، فأطفالي يعبرونه يومياً للذهاب إلى المدرسة، وتكرار الحوادث وسقوط الضحايا، وأغلبهم من الأطفال، كان هاجساً متواصلاً. طيلة فترة إقامتي في المنطقة كنت شريكاً وشاهداً على حملات ومبادرات لتطوير المزلقان، أو التخلص منه. الواقع أنه طيلة 20 سنة، أعلنت حكومات مصرية متعاقبة عن خطط للتخلص من مئات المزلقانات المنتشرة في أنحاء البلاد بهدف وقف نزيف الدماء اليومي. قبل ثلاث سنوات فقط اختفى ما كان يسمى "مزلقان أرض اللواء". تم استبداله بجسر مشاة، وبات للسيارات جسر آخر يربط بين جانبي طريق القطار، لكن عشرات المزلقانات ما زالت تحصد الأرواح في مصر، فضلاً عن تدهور أحوال القطارات وغياب صيانتها الدورية التي تجعلها تتصادم أو تخرج عن الطريق، كما حدث الأربعاء الماضي عندما تصادم قطارا المناشي في محافظة البحيرة وأوقعا قتلى ومصابين.


يسمح بنقل أو استخدام المواد المنشورة بشرط ذكر المصدر أي نوع من التعدي يعرض صاحبه للمسائلة القانونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق